البروج المشيدة: القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر.. وقائع صغيرة نحو حادث كبير

البروج المشيدة: القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر.. وقائع صغيرة نحو حادث كبير

الكاتب: محمود راضي

 

يقال إن العالِم الأمريكي إدوارد لورنز، والذي تخصص في مجالي الرياضيات والأرصاد الجوية، كان يعمل على دراسة الظواهر الطبيعية هائلة الحجم التى تنشأ في أصلها عن حدث أولى قد يكون بسيطًا، فقام لورنز بصك المصطلح الشهير "تأثير الفراشة"، وقد بات هذا المصطلح يُستخدم بكثرة في النظريات العلمية والتأويلات الفلسفية، حتى مع حقيقة أنه يُستخدم في الأساس لوصف الظاهرة محل الدراسة وليس تفسيرها.

إن لورانس رايت، صاحب كتاب "البروج المشيدة"، يعي جيدًا الفكرة الكامنة وراء هذه النظرية؛ لذا، وفي كتابه هذا، يتخذ مسارًا مختلفًا بالكامل عن كل مَن كتب عن أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ففي الوقت الذي انشغل فيه غالبية الكتاب والصحفيين بالتركيز على الحدث نفسه ومحاولة وضع تفسيرات له، كان رايت يبحث عما هو أبعد من ذلك، لقد كان يسعى لمعرفة تسلسل الأحداث الذي أدى إلى 11 سبتمبر، ورتب فصول كتابه على هذا الأساس، بادئًا بما يمكن أن يكون من وجهة نظره نقطة البداية، أو "الفراشة" التي بدأ بها كل هذا، وانتهاء بـ"العاصفة".

البروج المشيدة لا يحاول أن يفرض عليك كقارئ تأويلًا مقولبًا للأحداث التي يضعها جنبًا إلى جنب ويرويها بمهارة حكاء بارع، إنه فقط يحاول صنع قصة مترابطة ومتماسكة تجعل الأمور مرئية أكثر أمام أعين مَن يقرأ، بمعنى آخر، رايت يهتم بوصف ما حدث وليس بتفسيره، وهذا ليس بالشيء الغريب بالنسبة إلى خبرته العريضة في العمل الصحافي، ويتجلى هذا النهج، على سبيل المثال، في الفصول الأخيرة من الكتاب، وخاصة مع اقتراب موعد تنفيذ عملية الهجوم على مركز التجارة العالمي، ففي حين نرى المباحث الفيدرالية تعمل بكل جهد من أجل جمع أكبر قدر من المعلومات عن العمليات التي تخطط لها القاعدة، خاصة مع تواجد عدد من أفراد هذه المنظمة داخل الأراضي الأمريكية منذ شهور، نجد الإدارة الأمريكية تتعامل مع هذه المعلومات ببرود مريب، بل وتستهين بها، كما نلمس عدم تعاون المخابرات معها وإخفائها للعديد من المعلومات المهمة والضرورية بالنسبة للمباحث الفيدرالية لإحراز تقدم في هذه القضية بسبب العوائق البيروقراطية وأسباب أخرى غامضة قد يلمسها القارئ بنفسه.

وبالرغم من سير الكتاب بين المئات من الشخصيات وبين عدد لا يحصى من الأحداث التي تمتد على مدار 70 عامًا تقريبًا، فإن الكتاب لا يفلت قارئه أبدًا ولو لطرفة عين، ففي اللحظة التي قد تبدأ فيها أي بوادر للغموض عند نقطة ما ، لا يترك رايت أمامها أي فرصة للظهور، وبهذا، سيجد القارئ في النهاية أن غالبية النقاط المتباعدة قد اتصلت، وأنه قد عرف الكثير، ليس فقط عن القاعدة، ولكن عن تاريخ العديد من الحركات الإسلامية، والتاريخ المضطرب لمنطقة الشرق الأوسط، وآليات صنع القرار في المؤسسات الأمريكية، وغيرها الكثير، ليحمل الكتاب في طياته الكثير من التأريخ، الكثير من السرد، والكثير من العمل الصحافي الجاد والمثابر.

ملحوظة: عرفت بأمر هذا الكتاب للمرة الأولى من الحوار الذي أجراه الإعلامي يسري فودة مع لورانس رايت من خلال برنامجه "آخر كلام" قبل أربع سنوات تقريبًا، والمفارقة أن يسري فودة كان من ضمن القائمة الطويلة للشخصيات -التي شملت ما يقرب من 600 شخصية- التي حاورها رايت بنفسه واستعان بها خلال رحلته الطويلة مع "البروج المشيدة"، والتي امتدت لخمس سنوات.

   

إرسال تعليق

أحدث أقدم