الآلة تتوقف.. نبوءة مبكرة من زمن بعيد

الآلة تتوقف.. نبوءة مبكرة من زمن بعيد

إعداد: محمود راضي

 

«الآلة تتوقف» The Machine Stops، رواية قصيرة للكاتب البريطاني «إ. م. فورستر» E.M.Forester نُشرت للمرة الأولى في مطبوعة The Oxford and Cambridge Review في نوفمبر 1909، ثم أعيد نشرها مجددًا في مجموعة قصصية ضمَّت عددًا كبيرًا من القصص القصيرة حملت عنوان «اللحظة الخالدة وقصص أخرى» The Eternal Moment And Other Stories.

 تحدث «فورستر» عن روايته القصيرة هذه في تقديمه لأعماله القصصية الكاملة، ذاكرًا أنه قد كتب هذه القصة كرد فعل على تصور الكاتب البريطاني الرائد في أدب الخيال العلمي «هربرت جورج ويلز» H. G. Wells لنمط الحياة الذي تناوله ضمن أحداث روايته الشهيرة «آلة الزمن» The Time Machine والتلميحات السياسية التي تضمنتها، حيث فضَّل «فورستر» الحديث أكثر عن التكنولوجيا وعن دورها المتنامي يومًا بعد يوم لتصير مع الوقت هي صاحبة اليد الطولى في حياة البشر.

 وهو ما دعا «فورستر» في عمله هذا لتقديم ما يعتبره الكثيرون نبوءة مبكرة عن تنامي دور التكنولوجيا في حياة البشر، بل إن بعض التقنيات الجديدة التي تنبأ بها في روايته قد تحققت بالفعل على أرض الواقع كشبكات الإنترنت ومكالمات الفيديو والرسائل الإلكترونية، لكن الأهم من ذلك هو بصيرته الكبرى عن حال الإنسان في تعامله مع هذه التقنيات؛ حيث قد تبدو من الخارج وكأنها تُسهِّل التواصل بين البشر أكثر فأكثر، بينما هي في الحقيقة تعزل البشر أكثر عن بعضهم البعض، وتجعلهم يتواصلون معًا عبر فضاء افتراضي، لكن من داخل الغرف المغلقة، وما عزز ذلك أكثر الطفرة الكبيرة التي حدثت مع بزوغ مواقع التواصل الاجتماعي إلى مقدمة الصورة في السنوات الأخيرة حتى قارب أغلب البشر في الحقيقة على نسيان ما كانت عليه الحياة بالفعل قبل ظهور هذه المواقع في الأساس.

 يصنع «فورستر» في عمله هذا «ديستوبيا» Dystopia مكثفة جدًّا في ثلاث حركات تُقدَّم عبر ثلاثة فصول، ومن خلال شخصيتين رئيستين فقط هما «ﭬﺎشتي» Vashti و«كونو» Kuno، لكنها كفيلة جدًّا بإيصال فكرته عن هيمنة التكنولوجيا، معتمدًا في المقام الأول على مخيلة واسعة تنطلق من المقدمات التي شهدها مع بدايات القرن العشرين، ونجح بها في إصابة جزء كبير من الحقيقة.

 هناك نقطة بارزة يركز عليها «فورستر» في عمله هذا؛ إنه لا يتناول فحسب تأثير التكنولوجيا على حياة البشر اليومية وتغير نمط حياتهم فحسب، بل يمتد إلى تناول آليات العلاقات الاجتماعية في مجتمع كهذا، وليس بغريب أن تكون العلاقة المحورية هي علاقة بين أم وابنها، والتي من المفترض في الحياة العادية أن تنطوي على رابطة دم دعامتها حب غير مشروط، ربما لا نعرفها ولا ندركها بهذا العمق في أي شكل آخر من العلاقات الاجتماعية، فإذا بها هنا تتحول إلى علاقة آلية ميكانيكية بالكامل، ليس للعواطف فيها مكان، خاصة من ناحية الأم الخاضعة تمام الخضوع لقوانين عالمها بعكس ابنها الذي يمثل الجيل الجديد الرافض لهذا النمط من العيش الذي يمسخ الحياة عن طبيعتها الأصلية؛ فيصير المسعى الأول هو إعادة الروابط إلى ما يُفترض أن تكون عليه بالفعل بما تفرضه الفطرة الإنسانية الأصيلة.

إرسال تعليق

أحدث أقدم