(متى أنتهي من الدكتوراه) و(شبيك لبيك 2).. بين تطلعات وردية وواقع رمادي




 
(متى أنتهي من الدكتوراه) و(شبيك لبيك 2).. بين تطلعات وردية وواقع رمادي

الكاتب: محمود راضي

 

في الشهور اﻷخيرة، صدرت الروايتان المصورتان (متى أنتهي من الدكتوراه) للفرنسية تيفان ريفيير، والجزء الثاني من (شبيك لبيك) للمصرية دينا يحيى، ورغم البون الشاسع بين عالمي القصتين، إلا أن كلاهما تحملان رابطة روحية مع نفس الهم والشاغل، انطلاقًا من ذلك السؤال البسيط الملح في اﻷذن والعقل "وماذا بعد؟"

 

متى أنتهي من الدكتوراه

تتملكنا على الدوام تصورات وردية مشرقة عن عالم الدراسة الجامعية واﻷكاديميا بالخارج، خاصة مع مقارنتها على الدوام بعالم اﻷكاديميا لدينا في مصر والعالم العربي، لكننا في النهاية قد نكتشف أن هذا العالم له مثالبه سواء هنا أو في الخارج حتى مع اختلاف المنطلقات، وهو ما لا يتضح كثيرًا لمن هو بالخارج.

وسط شبكة مهولة من التعقيدات اﻹدارية والروتين الممل والتعاملات السيئة مع أساتذة الجامعة والجهد الجهيد المنفق على العمل على رسالة الدكتوراه، تحاول الكاتبة الفرنسية تيفان ريفيير في روايتها المصورة (متى أنتهي من الدكتوراه) ـ والصادرة عن دار الكتب خان بترجمة: فيكتور قلتة ـ أن تسجل تجربتها الشخصية ويومياتها عبر سلسلة طويلة لا تنتهي من المواقف المثيرة للسخرية، والتي تقدمها ريفيير هى اﻷخرى بخفة ظل، مُخرجة كل ما نراه ولا نعرفه عن هذا العالم بسبب بعدنا عنه، وكاشفة عن المدى الشاسع بين ما كنا نتطلع إليه، وبين حقيقته حين نتعامل معه عن كثب.

وفي قلب سلسلة المواقف الساخرة التي تسجلها ريفيير، يقبع خلفها خوف كامن عميق ومحسوس للغاية في الوقت ذاته من فقدان المسار بعد كل هذا الوقت الضائع، وعدم وجود مكافأة معنوية تعوض قليلًا من عبء كل التضحيات المقدمة، والحياة الشخصية التي تنهرس هرسًا تحت سنابكها خلال السير في هذه المتاهة.

وربما لذلك كان التناص والمقارنة الساخرة بين أحداث الرواية المصورة وأحداث رواية (القلعة) لفرانز كافكا تضرب على أكثر من وتر، حيث تتلاقى المصائر الروحية بينها وبين بطل رواية كافكا، وتحاول معها إيجاد مسار يحمل شيء من المنطقية وسط كل هذا العبث الذي تعيشه، وتوحد العالمين على أرضية واحدة

 

***

 

شبيك لبيك 2

بعد طول انتظار، تعود الكاتبة والفنانة دينا يحيى إلى عالم (شبيك لبيك) الفانتازي الذي تصير فيه اﻷمنيات سلعة خاضعة للبيع والشراء، بعد الجزء اﻷول الصادر عن دار المحروسة في العام الماضي، حيث ننتقل للفصل الثاني من الحكاية الكبيرة التي تجمع بينهما رغم انفصالهما الظاهري، والعالم الخيالي اﻷكبر الذي تنضوي تحته هذه القصص.

وتقرر دينا يحيى أن تدخل هذه المرة في تحدي أكثر صعوبة من الجزء اﻷول، ومع شخصية أكثر تركيبًا على الصعيد النفسي، ومع دافع أكثر مراوغة وتجريدًا وعصيًّا على اﻹمساك، فبينما كان دافع بطلة الجزء اﻷول مشكلتها التي هي في اﻷساس مشكلة مادية بحتة، فالمادة ليست بمشكلة من اﻷصل بالنسبة لبطل الجزء الثاني نظرًا لانتمائه الطبقي، وإنما هي مشكلة وجودية متجذِّرة في شخصيته يحاول أن يدرك كافة أبعادها وحدودها.

وما يزيد من تعقيد رسم الشخصية هو أن نور يعيش في مرحلة المراهقة، حيث لا زالت شخصيته في طور التشكل والصقل، وفي وقت عصيب لا زالت ترتسم فيه ملامح الحياة، والبحث عن مسار مستقبلي غير واضح المعالم، واكتشاف هويته الذاتية التي يستطيع أن يتصالح معها بغض النظر عما يراه اﻵخرون، وهو ما تعبر عنه رسوميًّا طوال أحداث الرواية بالاستخدام الساخر للرسوم البيانية التي تحولها لمؤشر حيوي عن حياة نور.

 

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم