أيها القارئ.. تعالَ نتحاسب!




أيها القارئ.. تعالَ نتحاسب! (*)

الكاتب: إبراهيم عبد القادر المازني

 

هذه مقالات مختلفة في موضوعات شتى كتبت في أوقات متفاوتة وفي أحوال وظروف لا علم لك بها ولا خبر على الأرجح. وقد جمعت الآن وطبعت وهي تباع المجموعة منها بعشرة قروش لا أكثر! ولست أدعي لنفسي فيها شيئًا من العمق أو الابتكار أو السداد، ولا أنا أزعمها ستحدث انقلابًا فقريّا في مصر أو فيما هو دونها، ولكني أقسم أنك تشتري عصارة عقلي وإن كان فجًّا، وثمرة اطلاعي وهو واسع، ومجهود أعصابي وهي سقيمة، بأبخس الأثمان! وتعال نتحاسب!

إن في الكتاب أكثر من أربعين مقالًا تختلف طولًا وقصرًا وعمقًا وضحولة. وأنت تشتري كل أربعة منها بقرش! وما أحسبك ستزعم أنك تبذل في تحصيل القرش مثل ما أبذل في كتابة المقالات الأربع من جسمي ونفسي ومن يومي وأمسي ومن عقلي وحسي، أو مثل ما يبذل الناشر في طبعها وإذاعتها من ماله ووقته وصبره.

ثم إنك تشتري بهذه القروش العشرة كتابًا، هبه لا يعمر من رأسك خرابًا ولا يصقل لك نفسًا أو يفتح عينًا أو ينبه مشاعر، فهو — على القليل — يصلح أن تقطع به أوقات الفراغ وتقتل به ساعات الملل والوحشة. أو هو — على الأقل — زينة على مكتبك. والزينة أقدم في تاريخنا معاشر الاَدميين النفعيين من المنفعة وأعرق، والمرء أطلب لها في مسكنه وملبسه وطعامه وشرابه، وأكلف بها مما يظن أو يحب أن يعترف.

على أنك قد لا تهضم أكلة مثلًا فيضيق صدرك ويسوء خلقك وتشعر بالحاجة إلى التسرية والنفث وتلقى أمامك هذا الكتاب فالعن صاحبه وناشره ما شئت! فإني أعرف كيف أحوِّل لعناتك إلى مَن هو أحق بها! ثم أنت بعد ذلك تستطيع أن تبيعه وتنكب به غيرك! أو تفككه وتلفف في ورقه المنثور ما يُلف، أو توقد به نارًا على طعام أو شراب أو غير ذلك!

أفقليل كل هذا بعشرة قروش؟

أما أنا فمَن يرد إلّي ما أنفقت فيه؟! مَن يعيد لي ما سلخت في كتابته من ساعات العمر الذي لا يرجع منه فائت، ولا يتجدد كالشجر وتعود أخضر بعد إذ كان أصفر، ولا يُرقع كالثياب أو يُر في؟!

وفي الكتاب عيب هو الوضوح فاعرفه! وستقرؤه بلا نصب، وتفهمه بلا عناء.. ثم يخيّل إليك من أجل ذلك أنك كنت تعرف هذا من قبل وأنك لم تزد به علمًا! فرجائي إليك أن توقن من الاَن أن الأمر ليس كذلك وأن الحال على نقيض ذلك!

واعلم أنه لا يعنيني رأيك فيه! نعم.. يسرني أن تمدحه كما يسر الوالد أن تثني على بنيه، ولكنه لا يسوءني أن تبسط لسإنك فيه إذ كنتُ أعرف بعيوبه ومآخذه منك. وما أخلقني بأن أضحك من العاتبين وأن أخرج لهم لساني إذ أراهم لا يهتدون إلى ما يبغون وإن كان تحت أنوفهم!

ومهما يكن من الأمر، وسواء أرضيت أم سخطت، وشكرت أم جحدت، فاذكر، هداك الله، أنك أخر مَن يحق له أن يزعم أن قروشه ضاعت عليه! - أولى بالشكوى منك الناشر ثم الكاتب.

 

(*) نُشر هذا المقال كمقدمة لكتاب (حصاد الهشيم) للأستاذ إبراهيم عبد القادر المازني سنة 1924.

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم