قاهر الزمن.. طموح الخيال العلمي في الأدب المصري




قاهر الزمن.. طموح الخيال العلمي في الأدب المصري
الكاتب: محمود راضي


ربما يكون اﻷديب الراحل "نهاد شريف" من اﻷدباء المصريين والعرب القلائل - بل والمعدودين - ممَن أخذوا أدب الخيال العلمي بجدية، ولم يتعامل معه على أنه مجرد تجربة عابرة أو نزوة كتابية، بل تعامل معه كمشروع أدبي متكامل، وربما يكون عمله اﻷشهر "قاهر الزمن" ــ الذي أُعيد نشره مؤخرًا عن دار الكرمة، في طبعة أنيقة ضمن سلسلتها "مختارات الكرمة" ــ هو أكبر ممثل لصورة مشروعه اﻷدبي الطموح حيال تناول الخيال العلمي في اﻷدب العربي، حتى بمقاييس عصره.

لدينا فكرة واعدة جدًّا: (التعامل مع تجميد البشر كفرع طبي جديد يفتح آفاقًا مستقبلية غير مسبوقة)، ونهاد شريف لا يتوقف في طرحه عند أعتاب الفكرة، بل يستنطق منها كل ما يمكن استخراجه، بل يصل به اﻷمر في إحدى لحظات الرواية ﻷن يترك للدكتور "سليم" الدفة حتى يفضي بكل تخيلاته كاملة إلى القارئ عن تصوره للمستقبل، مع انتشار طب التجميد في فصل من الفصول، ولم يرتكب خطأ "مصطفى محمود" في روايته الشهيرة "العنكبوت"، التي وقف فيها عند أعتاب الفكرة ثم تركها تتخبط بين أرجاء شتى.

لدينا محاولة لا بأس بها إطلاقًا لوضع هذه الفكرة في قالب مصري خالص، وبيئة مصرية صرف، واختيار موفق لـ"حلوان" لتكون هي مسرح اﻷحداث، ورغم ذلك يظل التساؤل عن فائدة دوران اﻷحداث في مطلع حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، ﻷن هذا الاختيار الزمني لم يترك أثره على أحداث الرواية بتاتًا، ولو كان كتبها في زمن كتابته للرواية لربما كانت متسقة أكثر.

لدينا رغبة حقيقية في الانتصار للعلم، وعدم وضعه في نفس المواجهة التقليدية بين العلم والدين التي اعتاد عليها الكثير من الكُتّاب، خاصة ذوي الميل لتيار اﻹسلام السياسي.

لدينا جرعة جيدة من التشويق في قلب القصة، قد تتوارى في الخلفية بعض الشيء في عدد من اللحظات لحساب اﻷفكار، لكنها سرعان ما تعود مجددًا، وبالتأكيد كانت في أمَسّ الحاجة لضبط الميزان بين اﻷفكار المطروحة وقالبها القصصي.

ولو راودك الانزعاج حيال أوجه القصور في السرد، فإن الفيلم المقتبس عن هذه الرواية من إخراج الراحل "كمال الشيخ" يعوض عنها كثيرًا بمعالجته الخاصة لهذه الرواية، إذ جعل منها عملًا رائدًا في الخيال العلمي في السينما المصرية.

إرسال تعليق

أحدث أقدم