متى تكون القراءة خَطِرة؟




متى تكون القراءة خَطِرة؟ (*)

الكاتب: علي أدهم

 

إدمان القراءة ومتابعة الاطلاع وإطالة المُكْث بين الكتب، قد تكون عقبة في سبيل التفكير الحر المستقل، وقد ترهق الذهن وتضعفه وتشل حركته وتقضي على استقلاله، ويصبح بذلك ضررها أكثر من خطرها، وأخطر من نفعها.

والحقائق والمعلومات التي نتلقَّاها من الكتب قد تُثقل رؤوسنا وتزحمها وتشيع فيها الفوضى والاضطراب، والرجل الذي يقرأ كثيرًا تلتقي في عقله ضروب مختلفة من الأفكار والآراء، وقد تظل هذه الأفكار والآراء غرائب وضرائر لا تربطها بعضها ببعض رابطة ولا توحدها جامعة ولا ينظمها سلك.

والإنسان خلال القراءة يترك لغيره التفكير ويصاحبه، وقد ينساق معه ويندفع في تياره ويستأسر به ويستعبد لأفكاره، وهذا هو خطر القراءة التي لا يصحبها التفكير ولا تتلوها المراجعة وإرسال النظر فيما قرأه الإنسان، وتقليبه على جوانبه لتتبين فيه الطيب من الخبيث والصالح من الفاسد.

وإذا غفلت الفكرة الناقدة وضعفت قوة التمييز اطمأن العقل إلى الخضوع والاستسلام، وتقبل الآراء المتناقضة، والمعلومات الزائفة، وعجز عن التوفيق بين الآراء المختلفة، وتوحيدها والملاءمة بينها، وضل في تيهها، وأفلت من يده زمامها، وعجز عن السيطرة عليها وتسخيرها والإفادة منها.

والعقل الذي يضل طريقه، وتثقله معلوماته، تجد صعوبة كبيرة في تحديد غايته، وإذا عرف غايته وهدفه عجز عن بلوغهما، ولذا قد ترى في بعض مدمني القراءة تهافتًا في المنطق، وانحرافًا في الآراء، وسخفًا في التفكير، لا نرى له نظيرًا في العامة أو أشباه العامة من أصحاب المعرفة القليلة.

والذين يعيشون في آفاق جد محصورة قد يحسنون الاستفادة من التجارب، ويفطنون لعبر الحوادث واحتكاكهم بأهل الرأي والراسخين في العلم فتصقل عقولهم وترقى مداركهم، وقلة العلم يمكن إصلاحها والإضافة إليها والمحافظة عليها فينمو العلم، والعلم الكثير مثل المال الكثير قد يغري بالإهمال والتطبيع ويساء الانتفاع به.

ولا خير في الاطلاع وإدمان القراءة إذا لم يصحبهما التفكير المستقل الحر، وحقيقة أن المشتغل بالمسائل العلمية والأدبية في حاجة ماسة إلى اطلاع واسع وقراءة منوَّعة، ولكنه مع ذلك إذا لم يستطع عقله السيطرة على ما يقرأه وإجادة هضمه واعتصاره، والانتفاع به واستثماره، وإضافته إلى محصوله الخاص وطبعه بطابعه، كانت القراءة من أسباب التقصير ودواعي التخلف لا من حوافز السبق والتبريز والتقدم.

 

(*) نص مُقتطع من مقال (خواطر عن القراءة والكتب) للأستاذ علي أدهم، نُشر في مجلة (الكتاب العربي) سنة 1964

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم