كوكب القردة.. انهيار حضارة البشر

كوكب القردة.. انهيار حضارة البشر 

إعداد: محمد خيري الخلّال

 

تنتمي رواية كوكب القردة إلى نوع «أدب ما بعد الكارثة»؛ وهو ذلك النوع الذي يهتم بنهاية الحضارة الإنسانية بسبب كارثة محتملة مثل: حرب نووية أو هجوم من الفضاء الخارجي أو تأثير اصطدام جسم غريب بسطح الأرض أو أي كارثة أخرى. وقد اكتسب هذا النوع شعبية كبيرة بعد الحرب العالمية الثانية؛ عندما أصبح الوعي العام على إدراك بإمكانية إبادة العالم بالأسلحة النووية.

وتميل روايات ما بعد الكوارث إلى التركيز - ليس على الكارثة بحد ذاتها - وإنما على عالم ما بعد الكارثة؛ من حيث الأثر الذي تتركه، والتداعيات السلبية التي تقع على الأرض في أعقابها. كما تُستعمل أحداثها كي تزودنا بمنظور جديد يمكننا من خلاله انتقاد السمات الفاسدة للمجتمع المعاصر.

كانت البداية الحقيقية لهذا النوع الأدبي في القرن التاسع عشر عام 1826 برواية «الرجل اﻷخير» لـ«ماري شيللي»، التي تحكي عن عالم مستقبلي اختفى منه البشر بسبب الأوبئة. وتبلورت الفكرة أكثر برواية «بعد لندن» لـ«ريتشارد جيفيريز»، التي شكلت علامة فارقة في تطور هذا اللون الفرعي نحو صيغته الحديثة. أما رواية «خنوع الأرض» لـ«جورج آرستيوارت»، فتعتبر أول رواية مهمة بعد الحرب العالمية الثانية عن الكوارث؛ وهي لا تتناول آثار حرب نووية، بل آثار وباء غامض يجتاح أمريكا ويأتي على كل أهلها تقريبًا في غضون أيام.

ما تتفق عليه جميع هذه الأعمال هو أن العالم الذي نعرفه سينتهي بطريقة ما، كي يبدأ عالم جديد مختلف تسيطر عليه الهمجية والقوة والعنف، ويعود الإنسان بدائيًّا تمامًا. وغالبًا ما سيحدث ذلك على يد الإنسان نفسه بسبب نزواته المدمرة.

ككل روايات ما بعد الكوارث، تعكس رواية «كوكب القردة» - التي قدمها «بيير بول» في عام 1963 - القلق السائد من احتمالات التدهور أو التطور إلى الخلف صوب حالة أكثر بدائية، وهو القلق الذي صرنا نألفه مع أغلب الكتَّاب المعاصرين الذين لا يملكون أي تفاؤل بصدد الغد.

تدور الفكرة المحورية لهذه الرواية حول التساؤل التالي: ماذا لو وُجد كائن ينافس الإنسان في السيطرة على كوكب الأرض ويهدد سيادته المطلقة على هذا الكوكب؟ تلك السيادة التي ظلت طويلًا حقيقة غير قابلة للنقاش، وجعلتنا نضع كل ما ليس بشريًّا في مرتبة متدنية تبيح استخدامه لمنفعتنا الخاصة.

ووفقًا للقصة، كانت القردة المتطورة عقليًّا وجسمانيًّا هي المؤهَلة لتحدي الإنسان والهيمنة على عالم المستقبل، فهي لم تعد تلك الحيوانات التي ألفناها تتسلق الأشجار وتتخذ الغابة مأوى لها، بل إنها هنا تفكر وتتكلم وتمتطي ظهور الجياد، صارت تقلد السلوك البشري حرفيًّا بكل أنانيته وعنصريته، وفي مواجهة البشر أنفسهم!

يمكننا اعتبار الرواية إذًا انعكاسًا للاإنسانية الإنسان، واحتجاجًا أخلاقيًّا على ممارسات البشر التي ستدفع مستقبلنا البشري إلى هاوية سحيقة.

يذهب البعض لاختزال هذه الرواية العظيمة في أنها رواية متشائمة، باعثة على كراهية الجنس البشري واحتقاره، إلا إنها باختصار صيحة تحذير لهذا الجنس، تقدم طرحًا لما يمكن أن ينتهي إليه الإنسان إذا ما استمر على نهجه في ازدراء كل ما عاداه، والتحكم في الكون باعتباره العنصر الأساسي والمركزي للحياة، كما تُعلّم الإنسان التواضع والمزيد من العقلانية في التعامل مع الطبيعة والحيوانات وجميع أشكال الحياة.

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم