فيليب پولمان.. عن جوع الأطفال للثقافة

Little Fugitive (1953 film)


فيليب پولمان.. عن جوع الأطفال للثقافة

ترجمة: أحمد جمال

 

وُلِد السِّير «فيليب پولمان» Philip Pullman، بريطاني المنشأ، في التاسع عشر من أكتوبر في عام 1946، وهو روائي له العديد من الأعمال الأدبية التي تصدرت قائمة المبيعات في دول مختلفة من أنحاء العالم، لعلَّ أشهرها ثلاثية «موادُّه المُظلِمة – His Dark Materials» التي يحمل جزؤها الأول اسم «أضواء شمالية – Northern Lights» - لكنّه صدر في أمريكا الشمالية باسم «البوصلة الذهبيّة – The Golden Compass» - بينما صدر الثاني بعنوان «السِّكِّين اللّوذَعِي – The Subtle Knife» وأتى الأخير باسم «المِنظار الكهرماني – The Amber Spyglass».

وعندما يصف «پولمان» مهنته يقول: «إنني أعمل في مجال (كان يا ما كان)»، وإسهاماته الثرية في هذا المجال هي ما جعلته يحصل على العديد من الجوائز.. ونخص بالذِّكر جائزة «أستريد ليندغرين التذكاريّة» التي حصل عليها في عام 2005، وهي جائزة دولية تُعنى بأدب الطفل أسستها الحكومة السويدية في عام 2002 لتكريم كاتبة أدب الطفل السويدية «أستريد ليندغرين» وتخليد ذِكراها، وتصل قيمة الجائزة الماليّة إلى 535 ألف دولار أمريكي.. وفي الذِّكرى السنويّة العاشرة للجائزة كتب «پولمان» السطور التالية على شرف الاحتفالية:

«يحتاج الأطفال إلى الفن والقصص والقصائد والموسيقى بقدر ما يحتاجون إلى الحب والطعام والهواء النقي واللعب.. إذا لم تُعطِ للطفل طعامًا، فسَرعان ما يصبح الضرر مرئيًّا.. إذا لم تسمح للطفل بتنفُّس الهواء النقي واللعب، فالضرر أيضًا يصبح مرئيًّا، لكن ليس بهذه السرعة.. إذا لم تمنح الطفل حبًّا، فالضرر قد لا يُلحظ لبضع سنوات، لكنه دائم.

لكن إذا لم تُعطِ الطفل الفن والقصص والقصائد والموسيقى، قد يصعب ملاحظة الضرر، ومع ذلك فهو موجود.. إن أجسامهم في صحة بما فيه الكفاية؛ يمكنهم الركض والقفز والسباحة وتناول الطعام بشراهة ويصدرون الكثير من الضوضاء كعادة الأطفال دائمًا.. لكن هناك شيء مفقود.

بالفعل قد كبر بعض الأشخاص دون مُصادفة أي نوع من أنواع الفن، ويعيشون حياةً طيبةً ذات قيمة في سعادة تامة، ومنازلهم خالية من الكتب، ولا يهتمون كثيرًا بالصور، ولا يمكنهم رؤية المغزى من الموسيقى.. في الواقع، لا بأس بذلك؛ فأنا أعرف أُناسًا من تلك النوعية، وهم جيران طيبون ومواطنون صالحون.

لكن يُصادف أشخاص آخرون - في مرحلة ما من طفولتهم أو شبابهم أو ربما حتى في شيخوختهم - شيئًا من نوع ما لم يحلموا به من قبل؛ فهو غريب عليهم بقدر غرابة الجانب المُظلِم من القمر، حيث يسمعون في أحد الأيام على الراديو صوتًا يقرأ قصيدةً أو يمرون بجوار منزل نافذته مفتوحة وبداخله شخص ما يعزف على البيانو، أو يرون مُلصَقًا للوحة ما على حائط أحدهم، ويصدمهم الأمر بطريقة تجمع بين الشِّدة واللين لدرجة تُشعرهم بالدوار.

لم يُعدُّهم شيء لهذا الأمر.. وإذ فجأةً، يدركون أنه يتملكهم جوع، على الرغم من أنه لم يكن لديهم أي فكرة عن ذلك منذ دقيقة مضت؛ جوع لشيء حلو وشهي جدًّا لدرجة تكاد تفطر أفئدتهم.. يوشكون على البكاء، وتشعرهم هذه التجربة - الجديدة تمامًا والغريبة - بالحزن والسعادة والوحدة والترحيب والاستماتة في الاستماع عن قُرب إلى الراديو والتلكؤ أمام النافذة واستحالة أن يشيحوا بنظرهم عن المُلصَق.. لقد أرادوا ذلك، لقد احتاجوا إليه مثلما يحتاج المُتضوِّر جوعًا إلى الطعام، ولم يعرفوا قط، ولم تكن لديهم أي فكرة.

تلك هي طبيعة الحال بالنسبة للأطفال الذين لا يحتاجون إلى الموسيقى أو الصور أو الشِّعر ليلتقوا بهم مُصادفةً.. لولا تلك الصُّدفة، لرُبَّما لن يقابلوهم مطلقًا، ولرُبَّما قضوا حياتهم بأكملها في حالة من المخمصة الثقافية دون معرفة ذلك.

ليست آثار المخمصة الثقافية درامية وسريعة؛ بل صعبة الملاحظة.

وكما أقول.. إن بعض الأشخاص الطيبين الذين هم أصدقاء أوفياء ومواطنون صالحون لا يختبرون ذلك مطلقًا؛ فهم في تمام الرضا دونه.. إن اختفت كل الكتب والموسيقى واللوحات بين عشية وضحاها، لن تسوء حالتهم على الإطلاق؛ فهم لن يلحظوا ذلك حتى.

لكن هذا الجوع موجود في كثير من الأطفال، وغالبًا لا يُشبَع أبدًا لأنه لم يُستثَر قط.. يتضور كثير من الأطفال في شتى بقاع الأرض جوعًا لشيء يُطعِم ويُغذِّي أرواحهم بطريقة لا ولن يقدر عليها أي شيء آخر.

نقول، كما ينبغي، إن لكل طفل الحق في المأكل والمأوى والتعلُّم والعلاج وهَلُمَّ جَرًّا.. يجب علينا فهم أنّ لكل طفل الحق في ممارسة الثقافة.. يجب أن نسبر غور مسألة أن انعدام القصص والقصائد والصور والموسيقى يعني تضوُّر الأطفال جوعًا.

 

مصدر المقال: موقع جائزة «أستريد ليندغرين التذكارية».

 

إرسال تعليق

أحدث أقدم