ماذا نريد من كتاب الطفل؟.. وأي طفل نريد أن تربيه كُتبنا؟

إحدى رسوم الفنان اللبَّاد للأطفال



ماذا نريد من كتاب الطفل؟.. وأي طفل نريد أن تربيه كُتبنا؟ (*)
الكاتب: الفنان محيي الدين اللبَّاد


في مجال كتاب الطفل عامة ـ ورسومه خاصة ـ نُدهش إذ نجد أن التطور قد أصبح شديد البطء في العقود الأخيرة، رغم التغيرات الهائلة التي شهدتها بلادنا.. ويغضب الذين راهنوا بكل عمرهم على هذا الفرع، إذ يجدون تخصصهم لا يزال مجرد حرفة ثانوية تدار بخفة وتعجل واستهانة في الواقع العملي.. وإن علت الأصوات كل حين بأهمية (كتاب الطفل)، وإن خصصت الدولة إحدى جوائزها التشجيعية له.

فليس من المفرح أن تزيد الأرقام في إحصاءات عدد العناوين وعدد النسخ المطبوعة، ولا أن تصل نسخ من تلك الكتب إلى أيدي قطاعات أوسع من الأطفال، إذا ما ظلت كتب الأطفال هي ذاتها كتب اليوم المرتبكة.. وهذا لا يعني أن ننتظر زمنًا قادمًا تتحسن فيه الأمور من تلقائها لنبدأ إنتاجًا جديدًا.. بل يعني ضرورة أن نطرح بعض الأسئلة الهامة، وأن نحاول الإجابة عليها بالبحث على أوسع نطاق ممكن، وبكل الصبر وسعة الصدر وطول البال.. وبدون أن يداخلنا الملل والضيق ونتصور أنها أسئلة لا علاقة لها بموضوع بسيط مثل كتب الأطفال ورسومها.

ـ ماذا نريد بالضبط من كتاب الطفل؟

ـ أي طفل نريد أن تربيه كتبنا؟

هل نريده طفلًا مصريًّا عربيًّا يحيا كجزء من أُمّته ويعتز بها حاضرًا وماضيًا، ويحمل هموم بناء مستقبلها.. يتحيز لها ويحبها ويدافع عنها؟.. أم نريده طفلًا (كوزموبوليتانيًا)، إستهلاكيًا، نمطيًا، غير مبال.. يرتبط بوطنه بقدر ما يأخذه منه من مكاسب وترف؟

هل نريده طفلًا مطيعًا مؤدبًا نربيه ليصبح مجرد (ابن بار) و(مواطن صالح) لا يثير المشاكل، و(رجلًا ناجحًا).. أم نريده مبدعًا حي الوجدان، قادرًا على الاحتفاظ بالطفولة داخله حتى مراحل النضج والمسئولية والأبوة فيما بعد.. ليفجر فيه هذا الطفل الكامن: الخيال والإبداع والصحة والثورة على النمط الثابت، ومحاولة تغيير الواقع إلى الأفضل والأكثر صحة وبهجة وإنسانية؟

هل نريد قمعه داخل نظام البيت والأسرة والمدرسة والشارع والمجتمع حتى لا يزعج ترتيبنا لهذه الأنظمة.. أم على العكس نريده مبادرًا ومشاركًا مسئولًا بدافع من ذاته.. يشارك ـ عندما يصبح راشدًا ـ في حفظ نظام هذه الأنظمة أو إعادة تنظميها في حالة الاختلال؟

إن كتاب الطفل ليس مجرد رشوة للطفل ليلتهي بها عنا ويكف عن إزعاجنا وإرباك خططنا وأنظمتنا المعقدة والبعيدة عن البراءة.. وهو ليس أداة نسلي بها كائنًا بشريًّا غير كامل (العقل) لا يملك مقدرات نفسه، ونملأ بها أوقاته الفارغة.. وليس وسيلة نحشو بها دماغه بمعلومات مبعثرة لا ترتبط في سياق إنساني وحضاري ولا تكفي إلا لأن نباهي به ونستعرض استظهاره أمام الأقارب وضيوف الأسرة.

وكتاب الطفل الحقيقي ليس هو كل كتاب مصبوغ بألوان أساسية مبهرة.. ولا الحافل بالحيوانات والطيور والدمى.. وليس هو الكتاب الذي يستعرض مهارة الرسام وقدرته على الصنعة المحكمة المعجزة التي لا يملك الطفل مثلها بعد.

كتاب الطفل الحقيقي هو ـ في الأساس ـ (رسالة) لنقل الخبرات الإنسانية والإبداعية والحضارية والمعرفية والعاطفية من إنسان واع (أقدم) وجودًا في هذه الحياة إلى إنسان آخر (أحدث).. ولكي تكون الرسالة حقيقية.. على (الأقدم) أن يعرف ويتفهم ويحترم ذلك الآخر (الأحدث)، وأن يقدر على التواصل معه بخبراته مع نفسه ـ عندما كان هو الآخر (حديثًا) ـ وبخبراته مع ذلك (الجانب الطفل) فيه، والذي يجب أن يكون مازال حيًّا نشطًا.. ولكي تكون الرسالة ذات قيمة، فلا بد أن يكون لمرسلها (صانع الكتاب) موقفًا من الإنسانية والحضارة، وأن يتمتع بمعرفة وبعواطف.

وحسب العمق الوجداني الذي يصوغ منه صانع الكتاب رسالته إلى الطفل، يستقبل الطفل الرسالة (الكتاب) على نفس الدرجة من عمق وجدانه.. وعلى قدر السطحية التي تكون بها الرسالة (الكتاب)، يستقبلها الطفل بذات القدر من السطحية.. لكنه ربما يجامل وينافق الكبار (فقد تعلم منهم الكثير في هذا المجال) ويقول ما يرضيهم، ويجعلهم يغفلون أنه ـ بعدها ـ سيهمل رسائلهم العاجزة تلك.. وينصرف ليبحث عن رسائل أخرى تشبع احتياجه من مصادر أخرى ربما لا ترضينا.


(*) نص المقال مُقتطف بتصرف من دراسة الفنان: محيي الدين اللبَّاد التي شارك بها في أعمال (الندوة الدولية لكتاب الطفل)، والتي عُقدت في القاهرة  من 26 إلى 28 نوفمبر عام 1986.

إرسال تعليق

أحدث أقدم