ترجمات ساذجة.. لنصوص بعضها ساذج.. وبعضها شامخ!




ترجمات ساذجة.. لنصوص بعضها ساذج.. وبعضها شامخ!
الكاتب: د. لويس عوض (*)

حتي نهاية الحرب العالمية الثانية كانت الترجمة الفنية في الفن القصصي تكاد أن تكون مقصورة على جهود محمد السباعي في نقل (القصة) الأوروبية، وخاصة عن "موباسان" و"تشيكوف"، إلى اللغة العربية.. أما الترجمة الفنية (للرواية) فلم تعرفها العربية في تلك الفترة إلا في ترجمة الزيات لـ"آلام فيرتر"، وترجمة أحمد الصاوي محمد لروايتي "أناتول فرانس": "تاييس" و"الزنبقة الحمراء".. ولم يكن أحد يعد ترجمة حافظ إبراهيم لـ "بوساء فكتور هوجو"، ولا ترجمة المنفلوطي لـ"مجدولين" "الفونس كار"، و"بول وفيرجيني" لـ"برناردان سان بيير" ترجمة بأي معنى حقيقيي.

كانت "بؤساء" حافظ إبراهيم عملًا رائعًا حقًا.. ولكنها كانت عمل حافظ إبراهيم لا عمل فكتور هوجو، وكان حجمها نحو واحد على مائة من النص الأصلي، أما مترجمات المنفلوطي فقد كانت نصوصًا رائعة في النثر العربي، وكانت الغذاء اليومي لشباب العشرينات، وربما لشباب الثلاثينات، ولكنها أيضًا كانت (بقلم) المنفلوطي لا بقلم مؤلفيها الحقيقيين؛ من أجل هذا كانت هذه الآثار العظيمة نماذج رائعة في فن (الاقتباس) لا في (الترجمة).

ولا شك أن العربية خلال العشرينات والثلاثينيات عرفت عشرات من النماذج في ترجمة (الرواية) من نقولا يوسف إلى عمر عبد العزيز أمين.. عرفت ترجمة الرواية بالمعنى المتعارف عليه.. غير أن هذه الترجمات عن "إسكندر دوماس" و"ميشيل زيفاكو" و"تشارلز ديكنز" و"كونان دويل" والكونتيسة "أوركزي".. إلخ.. كانت إما نقلًا تغلب عليه العجلة والركاكة لبعض روائع الأدب العالمي.. يختفي فيه (الأدب) ولا يبقى إلا السرد والحوار والوصف.. وإما نقلًا لروايات المغامرات المثيرة التي يقبل عليها الناس لإزجاء الفراغ، ولكنها عديمة القيمة من الناحية الأدبية.

لذلك كنا بحاجة إلى أن يظهر رعيل من المترجمين الفنيين الذين لا يتصدون إلا للروائع الأدبية من ناحية.. ولا يشاطرون الروائيين تأليف رواياتهم حين يترجموها من ناحية أخرى، كما كان يفعل محمد عثمان جلال وحافظ إبراهيم والمنفلوطي. 

ثلاثة أركان كان ينبغي أن تتوافر: اختيار روائع الرواية في الأدب العالمي، وأمانة النقل في حرص شديد، ورفعة العبارة العربية أو جودتها على أقل تقدير.. بحيث تدخل الترجمة في إطار الأدب كما دخل النص في إطار الأدب في لغته الأصلية.


(*) النص مُقتطع من المقدمة التي كتبها الدكتور لويس عوض واستهل بها ترجمته لرواية "الوادي السعيد" لـ"صمويل جونسون"، بتصرف من: محمد خيري الخلَّال.

إرسال تعليق

أحدث أقدم