ليو تولستوي متحدثًا عن الإحسان ومقياس الحب




ليو تولستوي متحدثًا عن الإحسان ومقياس الحب
بقلم: ماريّا پوپوڨا
ترجمة: أحمد جمال

«لا شيء يمكنه جعل حياتنا أو حياة الآخرين أجمل أكثر من الإحسان السرمدي».

كتب «چاك كيرواك» في رسالة جميلة إلى زوجته الأولى وصديقته طوال حياته: «أحسِني إلى الجميع طوال اليوم، وستدركين أنكِ بالفعل في الجنة الآن». تُعوِزنا مرارًا، بطريقة ما، هذه الصفة السماوية على الأرض، على الرغم من نوايانا الصادقة؛ فهي متوفرة بسهولة ومع ذلك صعبة المنال.. تشير الملاحظات الوافية عن حضارتنا، على الرغم من ذلك، إلى «أننا لا نُحسِن أبدًا بقدر ما نريد، لكن لا شيء يثير غضبنا أكثر من أن يُساء إلينا».. اعترف «چورچ سوندرز» برثاء يخلو من العاطفيّة في خطابه المؤثر الذي ألقاه خلال حفل تخرجه في جامعة «سيراكيوز»: «أكثر ما أتندّم عليه في حياتي هو إخفاقاتي في الإحسان».. أشُكُّ في أنّ أي شخص محترم، بعد تفكير صريح، قد يضع أي نوع آخر من الندم في مرتبة أعلى.. تُعرَّف الإنسانية بأنها القفز نحو أعلى إمكاناتنا الأخلاقية وإذ بنا نتعثر فجأةً بالوقائع الهشَّة لأنماطنا الانعكاسية؛ فالإنسان الصالح هو من يستمر في القفز على أي حال.

شرع «تولستوي»، وقد قطع نصف المسافة إلى عامه السادس والخمسين، في بناء منصَّة وثب يعوِّل عليها من أجل هذه القفزات الأخلاقية، عن طريق تجميع «حِكَم لكل يوم من السنة من أعظم الفلاسفة الذين عرفتهم البشرية»، والذين تعطي حكمتهم المرء «قوةً داخلية هائلة وهدوءً وسعادةً»؛ فهؤلاء هم المفكرون والقادة الروحانيون الذين سلَّطوا الضوء على أهم ما في عيش حياة مُجزية وذات مغزى.. وقد تصوَّر «تولستوي» أنَّ كتابًا مثل هذا سيخبر المرء بـ«السبيل إلى عيش حياة هنيَّة»، وقد عكف السبع عشرة سنة التالية على إعداد هذا الكتاب.

ليو تولستوي

انتهى تولستوي أخيرًا من الكتاب الذي أسماه «حكمة لكل يوم» سنة 1902، وقد تدهورت صحَّته حينها متربصًا ريب المنون.. ونُشر الكتاب بعدها بسنتين ولكن تطلَّب الأمر قُرابة المئة سنة كي يُترجَم إلى الإنجليزية للمرة الأولى، وكان ذلك على يد «پيتر سِكيرين» بعنوان (تقويم للحكمة: أفكار يومية لتغذية الروح مكتوبة ومُختارة من نصوص العالم المُقدَّسة)، واختار «تولستوي» فيه بضعة اقتباسات من مفكرين عظماء حول موضوع معيَّن لكل يوم من أيام السنة، ثم ساهم ببنات أفكاره حول ذلك الموضوع مستخدمًا الإحسان بوصفه ركيزة الحس الأخلاقي للكتاب.

كتب في دفتر يومياته عند السابع من يناير، وربما قد حثَّته القسوة المُبدِعة وانقباض القلب الناجم عن أبرد أيام الشتاء وأحلكه أو العزم المتجدد على الإصلاح الأخلاقي الذي نواجهه كل سنة جديدة:
«كلما أصبح المرء أكثر إحسانًا ومراعاةً لمشاعر الآخرين عامله الآخرون بمزيد من الإحسان.. يُثري الإحسان حياتنا؛ فبه تنقشع غيوم الغموض والصعوبة والرتابة عن الأشياء فتصبح واضحة وسهلة ومُبهِجة».
كتب «تولستوي» في نهاية الشهر: «يجب أن تقابل الإساءة بالإحسان، وستدمِّر بذلك المتعة الموجودة داخل المسيء والتي يستمدّها من الشر».

أعاد الكتابة عن الموضوع نفسه في الثالث من فبراير:
«تستوي أهميَّة الإحسان بالنسبة لروحك بأهمية الصحَّة بالنسبة لجسدك؛ فأنت لا تلاحظها وأنت مُعافى».

اقتبس «تولستوي» مقولتين تتعلقان بالإحسان؛ إحداهما من «چيريمي پِنثام» وهي: «يصبح الشخص سعيدًا بالقدر نفسه الذي يُسعد الآخرين به»، والأخرى من «چون راسكِن» وهي: «إرادة الله لنا هي أن نعيش في سعادة ونهتمَّ بحياة الآخرين»، ثم أردف: «يصبح الحب حقيقًا فقط عندما يمكن لشخص أن يُضحّي في سبيل شخص آخر.. فقط عندما ينسى الشخص نفسه إكرامًا لغيره ويعيش من أجل مخلوق آخر. هذا النوع من الحب هو فقط ما يُمكن دعوته بالحب الحقيقي، ونستشعر من خلاله نعمة الحياة ومكافئتها؛ فهذا هو أساس العالم.. لا شيء يمكنه جعل حياتنا أو حياة الآخرين أجمل أكثر من الإحسان السرمدي».

إرسال تعليق

أحدث أقدم