حلم: مخافة ما نتخيل.. لا ما نفعل





حلم: مخافة ما نتخيل.. لا ما نفعل
الكاتب: محمود راضي

ربما لا تُصنَّف نوفيلَّا (حلم) -أشهر أعمال الكاتب النمساوي أرتور شنيتسلر- ضمن دراما العلاقات الزوجية، على اﻷقل بشكلها التقليدي، ربما لانفراد الزوج فريدولين بأغلب مساحة النوفيلَّا مع وساوسه وأفكاره ومغامراته الليلية، لكنها تنطلق باﻷساس من علاقة زوجية تبدو من الخارج شبه مثالية، بينما ينفرد على الطاولة أمامنا مسار كامل لعلاقة صارت على شفا حفرة من المجهول، إثر اعتراف صدر من الزوجة ألبرتينا لزوجها فريدولين عن اشتهائها لرجل آخر غيره.

من مرتكزات القوة في النوفيلَّا أنها لا تعتمد على ما نفعله في علاقاتنا، وإنما على ما نتخيله، ومنطقة الخيال أكثر وعورة وصعوبة ومراوغة في اﻹمساك بها والتعامل معها، تسلسل اﻷحداث يبدأ من تخيُّل يسير في ذهن الزوجة، لكنه بالمقابل يفجر سلسلة من التخيلات لدى فريدولين، والتي تنطوي جميعها على محاولة الانتقام لرجولته المجروحة من محض خيال، وليس حتى من فعل كامل، فالخيال يولِّد الظنون ويولِّد الشك أكثر بكثير من الفعل الصريح، وهي المسألة التي تجعله مخيفًا أكثر من الواقع.

وعلى مدار ليلة كاملة من المغامرات الجامحة الجنسية غير المكتملة، التي يحاول فريدولين خوضها من أجل الانتقام، تشعر في كل مرة بأنه يقف عند نقطة محددة ولا يحاول تخطِّيها، في كل مرة اﻷمر يتوقف عند مجرد النية والشروع في الفعل دون اقتراف الفعل بأكمله أو خوض المسار حتى نهايته، كأنه يدرك بينه وبين نفسه أن أي فعل كامل يقدم عليه فريدولين سيكون نقطة اللا عودة بالنسبة له، أو كأنه يتذكَّر أنه يريد الانتقام من زوجته في خياله فحسب لا في الواقع أيضًا، كأنه يفكر أنها لو جرأت على مجرد التفكير في رجل آخر، فهو أيضًا سيجرؤ على التفكير.

تؤكد لنا النوفيلَّا - التي خرجت في بدايات القرن العشرين - مرة أخرى أن العلاقة بين الرجل والمرأة، خاصة في العلاقة الحميمة بمختلف أشكالها، تتحرك ضمن رقعة واسعة جدًّا وفسيحة جدًّا من الرماديات التي لا مكان فيها للأبيض واﻷسود، بحيث يصعب في كل مرة التنبؤ بما ستؤول إليه أي علاقة، وهو ما يتَّسق مع اﻷطروحات الجديدة التي جاد بها القرن العشرين كافة، وحاول من خلالها أن يعيد النظر في الكثير من مسلَّمات القرون الماضية.

نوفيلَّا:حلم
تأليف: أرتور شنيتسلر، ترجمة: سمير جريس
الناشر: دار الكرمة للنشر، 2020

إرسال تعليق

أحدث أقدم