حكايات من "الحفرة السوداء"





حكايات من "الحفرة السوداء"

تأليف: تشارلز برنز Charles Burns

ترجمة: محمود راضي



 [بين عامي 1995 و2005، نشر الكاتب والرسام اﻷمريكي تشارلز برنز سلسلته المصورة الشهيرة Black Hole عبر 12 عددًا، وحققت جماهيرية كبيرة بين عشاق الكوميكس، وتحولت لعمل أيقوني في الرعب الجسدي، ومع انتهاء السلسلة ضُمَّت كل اﻷعداد بين دفتي كتاب واحد في العام 2005، وتروي أحداث هذه السلسلة المصورة ما حدث لمجموعة من المراهقين خلال أواسط السبعينيات إثر انتشار مرض منقول جنسيًّا تسبب لهم في تشوهات جسدية غريبة وأدت بهم للانعزال في الغابات خارج ستايل، وفي بداية كل عدد يروي أحد المصابين تجربته مع هذا المرض الغامض قبل أن يتركنا تشارلز برنز لحكايته الكبرى]



(1)

كان اﻷمر يشبه لعبة وسم مروعة، استمر لفترة، لكنهم اكتشفوا في النهاية أنه مرض جديد يؤثر فقط على المراهقين، أسموه "طاعون المراهقين" أو "الحشرة" إذ أن كافة اﻷعراض غير متوقعة، لم يكن اﻷمر سيئًا بالنسبة للبعض، وقلة يتورمون، قد يكون طفحًا جلديًّا قبيحًا، وتحول آخرون إلى وحوش أو نمت لديهم أعضاء جسدية جديدة، لكن لا تهم اﻷعراض، بمجرد أن تُوسم، تتحول للأبد إلى "شيء".


(2)

أصيب بعض أصدقائي المقربين بالـ"الحشرة".. أعنى، ما الخطب في ذلك؟ قد يبدون مختلفين بعض الشيء لكنهم لا زالوا بشرًا، أليس كذلك؟ إني أهتم ﻷمرهم، حقًّا وصدقًا. كل ما هنالك أني أظن أنهم يشعرون بارتياح أكثر مع بني جنسهم. لا أظن حقًّا أن هناك خطبًا حيال كونهم في عزلة، أظن أنهم أسعد على هذا النحو.


(3)

كان ما لدينا شديد القوة، كان رائعًا، كنا متحابين ولم نبالي بشيء آخر، بالنسبة إلينا "سحقًا لبقية العالم، لا نحتاج إليهم". ظننا أنه لا مجال لهذا أن ينتهي، كيف يمكن ﻹحساس طيب كهذا أن ينقلب للسوء؟ لكنه حدث، لقد اختفى في يوم من اﻷيام، استيقظنا ونظرنا لأحدنا الآخر، وانتهى اﻷمر.


(4)

كنا نتسكع في الخارج عند المستودع وندخن، واستهل مارك بهذا الكلام الكبير حول كونه أول من سيموت. أخبرنا أنه يريد أن يُحرق جثمانه، وكيف يتوجب علينا أن نقتسم رماده فيما بيننا، ثم قال: “في كل مرة تلفون فيها سيجارة ماريجوانا، ضعوا فيها قَبضة من رمادي مع المخدر. بهذه الطريقة ستنتشون كما أنتشي معكم”.


(5)

أحيانًا نطلق نكاتًا حيال الموضوع، مسمِّين أنفسنا مصاصي دماء ﻷننا كنا نخرج فقط عند غروب الشمس، لكن هذه ليست نكتة، كنا في أشد الفزع، بقينا أغلب الوقت في الغابات أو في المنتزه، ولكن وجب علينا الخروج من أجل الطعام، كان يمكن ﻷولئك غير مُشوَّهي الخلقة للدرجة أن يتوجهوا إلى المحلات لشراء أو سرقة أشياء، حاولنا اقتسام أيًّا كان ما نحصل عليه، لكنه لم يكن كافيًا أبدًا.


(6)

مع الوقت انتقلنا إلى هناك، كانوا ضائعين كُلية، كانوا باﻷسفل في غرفة جون يشاهدون التلفاز وكل اﻷنوار مطفأة، باستثناء أنهم لم يكونوا يشاهدون أي شيء، جعلوه يتنقل بين القنوات حتى أنك كل ما تراه هو الثلج. كانوا منغمسين في ذلك التخيل الكامل حول كونهم جزءًا من قبيلة بدائية أو شيء كهذا، وكان التلفاز نارهم.


(7)

الشيء الوحيد الذي قادني للجنون التام قمامتهم اللعينة، تركوها في كل مكان، خاضوا ذلك النقاش حول بدئهم من جديد لحالهم، وبناء مجتمع جديد وكل هذا، لكنهم اﻵن ليس لديهم أمهاتهم كي تلملمن من ورائهم، حولوا الغابات إلى مزبلة، خربوا كل شيء، حطم ذلك فؤادي.


(8)

كنا نصير في خضم التقبيل والمداعبة، وأفعل هذا حين أنسحب فجأة للوراء وأتطلع إليها.. تستلقي هناك في الظلام وعيناها مغمضتان وفمها مفتوح ولسانها يمتد خارجًا. بدت في غاية الحماقة والعبث، أخافني هذا نوعًا ما، لكن في الوقت ذاته جعلني أرغب فيها أكثر.


(9)

فترة ما بعد الدراسة دفعت كل شيء للبدء في التغير، لم أعلم ما كان هذا: اﻷيام الحارة الطويلة، ملل العطلة الصيفية، لكن فجأة صرنا الهدف لكل سافل في البلدة، كانوا يقودون السيارات في اﻷرجاء باحثين عنّا في الليل، ويتجمهرون علينا حين نخرج محاولين إيجاد طعام. اقترفوا كل شيء في إمكانهم كي يجعلوا حياتنا مزرية قدر المستطاع.


(10)

أول جزء من الانتشاء هو دومًا اﻷفضل، هنالك تلك اللحظة حين تنغمس فيه فيبدو اﻷمر كأنه "آه، يا للراحة!"، إنها مسألة فيزيقية وبصرية بالكامل. أتذكر صديقي مارك وهو يقول: “حين أنتشي، كل شيء ينتشي معي.. إلا البشر". وهذا حقيقي جدًّا، إنهم البشر، البشر المستقيمون الذين أرادوا دائمًا أن يعبثوا بعقلك، عليك العمل بكدح شديد للحفاظ على ذلك التوهج الدافئ اﻷول.


(11)

أدمغتنا كبيرة جدًّا.. نفكر كثيرًا جدًّا وهذا ما يدفعنا للجنون، ورثنا تلك الهبة المدهشة من الذكاء والوعي بالذات، وبددناها، صرفناها بعيدًا، كنا سنصير سعداء لو استطعنا أن نعيش حياة بسيطة، يستمتع أحدنا بالآخر، وأقصد ربما نعيش في مزرعة أو شيء كهذا ونزرع أشياء.. أتعلم؟ العودة للأرض، لكن ويحك، لا تستمع إليّ؟ أعني ما الذي أعرفه أصلًا؟


(12)

اﻷمر يشبه محاولة شرح الجنس لراهبة، لا توجد طريقة لتفهمه بها سوى معايشته، كنت هناك، طيب؟ نصف أصدقائي الملاعين ماتوا هناك يا رجل، لم أحلم أبدًا أني سأخرج من حفرة الخراء تلك.. لكن في يوم من الأيام لاحظت أن هذه اﻷشياء على وجهي بدأت في التعافي، وبعد بضعة أشهر صرت نظيفة بالكامل، أتسكع في الخارج مع كل السفلة الطبيعيين.


إرسال تعليق

أحدث أقدم